سيدة رصيدها من الاختراعات تخطى المائة اختراع في جميع المجالات، ولكنها لم تحصل على براءة اختراع واحدة من أكاديمية البحث العلمي في مصر.
رغم ذلك أطلق عليها البعض لقب "أم المخترعين"؛ نظرًا لاختراعاتها الكثيرة. وفي مؤتمر "جلوبل" بلندن تسلمت وسام استحقاق عالمي، وكان ترتيبها الثالث بين ألف عالم من جنسيات مختلفة في المسابقة التي تقام سنويًّا بلندن، وقالت عنها لجنة التحكيم في المؤتمر "أم المخترعين التي تعمل في صمت أبو الهول وشموخ الأهرامات".
وعلى الرغم من أن جائزة "جلوبل" لا تمنح إلا للعلماء الذين لهم باع طويل في مجال الاختراعات فإن لجنة التحكيم وجدت أن رصيدها من الاختراعات المسجل بأكاديمية البحث العلمي هو اختراع فائق لأي باع من الاختراعات تقدم به عالم في المسابقة فأطلقوا عليها لقب "أم المخترعين" قائلين بأن هذا العدد من الاختراعات غير مسبوق في مصر أو خارج مصر".
ووسط شعورها بالفخر أثناء تسلم الجائزة في موكب الصحافة والإعلام الذي أحيطت به، توقعت المهندسة ليلى أن ذلك سيكون بداية الانطلاق على أرض الوطن "مصر"، كما تصورت أنها ستحصل على جائزة الدولة التشجيعية عند عودتها مباشرة، ولكنها فوجئت بما عجزت عن استيعابه حتى الآن.. فلم يسمع عن الجائزة أحد، ولم يهتم بوصولها سوى ابنتها التي لم ترَ والدتها وهي تتسلم الجائزة؛ لأن وسائل الإعلام لم تنقل شيئًا عن الحدث وكأن شيئًا لم يحدث.
النشأة والتكوين:
ليلى عبد المنعم من مواليد السيدة زينب 1949، لأسرة اشتهرت بتماسكها، فوالدها رغم عمله كان عليه متابعة أولاده في الدراسة وكان حريصًا على تفوقهم، والأم كان عليها توفير ما يلزم لاحتياجات الأسرة، وكان هذا التماسك هو سرّ نجاحها وأخواتها الخمسة.
وتحكي ليلى قائلة بأن نشاطها الوحيد أثناء الإجازات كان البحث عن كتب الدراسة للعام الدراسي الجديد، والانتهاء من مذاكرتها قبل أن تبدأ السنة الدراسية، وكان هذا سرّ تفوقها، ولا تتصور أنها حصلت على إجازة في يوم من الأيام. فهي تفضل القراءة والهدوء على أي شيء آخر.
وعن بداية علاقتها بالابتكار تقول: "بدأت علاقتي بالابتكار والقدرة على التخيل منذ صغري. وفي أثناء دراستي الإعدادية ابتكرت نظرية هندسية فوجئ والدي بأنها أضيفت للكتب المدرسية في العام التالي باسم المدرس الأول للمادة، فظل يتابع نشاطي وابتكاراتي وحرص بعد حصولي على الثانوية العامة أن يلحقني بدراسة تدعم موهبتي في الابتكار والاختراع، فألحقني بأحد معاهد التكنولوجيا في حلوان، وكان القائمون على التدريس فيه مدرسين ألمان، في إطار منحة لمصر من ألمانيا".
وتكمل قائلة: "كان التحاقي للدارسة بالمعهد بعد سحب أوراقي من كلية الطب البيطري؛ لتشهد دراستي بالمعهد تفوقًا علميًّا كبيرًا، الأمر الذي جعل مدرسي المعهد يطلبون من والدي الموافقة على سفري إلى ألمانيا لاستكمال دراستي هناك، ولكن والدي رفض العرض".
بعد سنوات تكرر عرض السفر من خلال عملها بإحدى الشركات الأجنبية بالسعودية؛ ليكون الرفض هذه المرة من زوجها، وهكذا ظلت موهبتها في إطار الهواية.
وقد تنبهت إلى حقيقة قدراتها أثناء دراستها بجامعة القاهرة للحصول على دبلومة في الهندسة الميكانيكية والهيدروليكية -وذلك من أجل ترك بصمتها في عملها كمهندسة أولى ورئيسة قسم التصميم والتنفيذ بمرفق مياه القاهرة- حيث قدمت فكرة مغسلة أوتوماتيكية بحوضين ذات دورة هيدروليكية للمياه تصلح للفنادق وتوفر 50% في الكهرباء وفي المساحيق؛ لتقدمها إلى أكاديمية البحث العلمي لنيل براءة اختراع.
طريق الابتكارات:
ومن أهم الاختراعات التي توصلت إليها وأهّلتها للحصول على وسام الاستحقاق العالمي "بحيرة صناعية" بها ركائز لإطلاق المركبات الفضائية للقضاء على التلوث البيئي والاستفادة من الطاقة الناتجة من خلال تحلل العادم الخارج من المركبة في ماء البحيرة، فيكون الأكسجين بدلاً من ثاني أكسيد الكربون، ويترسب بقية العادم في ماء البحيرة.
أما فكرة "الإنسان الآلي" المخصص للبحث عن المتفجرات كان السبيل لحصولها على وسام وزارة الداخلية باعتباره أفضل اختراع مضاد للألغام، وهو عبارة عن إنسان آلي في حجم الحشرة مصمم للبحث عن المفرقعات بـ"الريموت كنترول".
وابتكرت "ليلى" مصعدًا لكابينتين رأسيتين. وفكرته تتلخص في أنه يتم تعويض الثقل بكابينة ثانية تحقق التعادل مع الكابينة الأولى، وبالتالي يتضاعف عدد الأفراد الذين يقلهم المصعد، كذلك ابتكرت معدّة لجمع القمامة بطريقة صحيحة، وكمامة لمنع الشخير وهي عبارة عن أسطوانة أكسجين صغيرة ملحق بها كمامة توضع على فم الشخص عندما يبدأ في عملية الشخير، وذلك لمدة دقائق حيث تنظم عملية التنفس لديه فيتوقف بالتالي عن الشخير، كما ابتكرت جهازًا لعلاج الصداع النصفي، ومغسلة ومكنسة بالريموت كنترول وبالكمبيوتر، وجهازًا ضد طفح البالوعات، وجوانتي (قفازًا) عازلاً للكهرباء.
كذلك اخترعت إطارًا للعجلات من النوع الصلب المدعم الممتص للصدمات، بحيث تكون الإطارات من عمر الآلة لا تتغير، وذلك مثل التروس التي تسير عليها الدبابات فهي لا تتغير. كما ابتكرت سيارة مضادة للانفجار بمكونات تحمي من داخلها من أي لغم أو انفجار.
اختراع وآية قرآنية:
وقد ابتكرت "ليلى" خرسانة ضد الزلازل والصواريخ اقتبسته من آية قرآنية في سورة الكهف تقول عنها: "جاءتني فكرة الاختراع عندما علمت أن مجموعة من العلماء الأمريكيين يجرون محاولات تصميم مبان تتحمل الهجمات الإرهابية، خاصة بعد الهجوم الذي تعرضت له الولايات المتحدة في سبتمبر 2001، كما شاهدت في الوقت نفسه برنامجًا تليفزيونيًّا علميًّا تحدث فيه مقدمه عن قيام اليابان بتشييد حائط يقاوم الزلازل بقوة 6.4 ريختر بسمك حوالي متر فأكثر.
ومن ثَم لمست الحاجة لهذا الاختراع فبدأت في البحث على الفور بعد تذكري للآية القرآنية "آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا * فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا" وبحثت في كتب التفسير، وبدأت أتعرف على مكونات هذا الحائط الذي يصمد لأعتى الزلازل ولا تؤثر فيه الأسلحة الثقيلة أو الصواريخ، وهو عبارة عن خليط منصهر من الحديد والنحاس والبوتاس أي (الزفت)، حيث يتم بهذا الخليط بناء الحوائط أو القواعد الخرسانية أو عزل الأعمدة من خلال تبطينها، وكذلك المعرضة للرشح مثل المطابخ والحمامات!! وهذا الاختراع من الأسباب الرئيسية لحصولها على وسام الاستحقاق.
وتضيف المهندسة ليلى قائلة: كل تلك الاختراعات تأتيها من خلال التفكير في الأشياء المحيطة بها، ومتابعتها للبرامج العلمية، وقراءة الموسوعات العلمية، ويكون هدفها هو تسهيل تطبيق الأشياء التي تساعدنا في قضاء حاجاتنا اليومية. ومن هنا نجد الارتباط الشديد بين اختراعاتها والواقع الذي نعيش فيه ويحيط بنا.
100 اختراع بدون براءة:
ورغم قيامها بتسجيل الـ(101) اختراع في أكاديمية البحث العلمي منذ سنوات عدة، لكنها لم تحصل على براءة اختراع واحدة حتى الآن. والمعروف أن البحث الواحد يحتاج إلى أربع سنوات للحصول على براءة اختراع من متابعة تتطلب مجهودًا شاقًّا، ولكن دون جدوى.
وهذا ما جعلها لا تلجأ للأكاديمية على الإطلاق فيما بعد، فهي ترى أن الروتين والميزانية المحدودة عوائق تحول دون ظهور الاختراعات الجديدة إلى النور، رغم أنه من المفترض تشكيل لجنة من أساتذة الجامعات تقوم ببلورة الفكرة؛ لتصبح اختراعًا أو ابتكارًا علميًّا قابلاً للتنفيذ أو محاولة تحديثها وليس رفضها.
وقد حصلت "ليلى عبد المنعم" على وسام الاستحقاق، وبعد حصولها على وسام الاستحقاق تسابقت الشركات الإنجليزية والألمانية في التعاقد معها لتنفيذ مخترعاتها في الوقت الذي لم تتعاقد فيه معها أي جهة مصرية. فتعاقدت معها شركة إنجليزية على (22) اختراعًا نُفِّذ منها (17) اختراعًا موجودين في الأسواق.
أما الآن فهي تعمل مستشارة لشركة كندية بفرعها في القاهرة، ونتيجة لتعاونها مع الشركة قامت باختراع جهاز إنذار بسيط يحمي آبار البترول من الاشتعال، وهو عبارة عن أسطوانة قطرها أكبر من عمود حفار البترول بداخلها أسطوانة مملوءة بغاز الهيليوم المضغوط ومتصل بها مكبس يسقط بالضغط الهيدروليكي عند استشعار الإنذار بدخان حريق البئر، حيث يفتح أوتوماتيكيًّا ويخرج غاز الهيليوم، وبالتالي يبطل الاشتعال في الحال.
طريقك للاختراع:
"طريقك للاختراع" أحد كتب أم المخترعين الذي تخاطب فيه أي شخص يريد أن يخوض في مجال الاختراعات ولديه الموهبة، وهو الكتاب الذي تعاقد القائمون على مؤتمر جلوبل لترجمته. وقد حقّق هذا الكتاب نسبة عالية من التوزيع على مدى سبع سنوات، حيث طبع للمرة الخامسة.
أما الكتاب الثاني لأم المخترعين فهو يحمل عنوان "بيئة خالية من التلوث" تتحدث فيه عن التلوث بكل أشكاله حتى التلوث السمعي وطرق الحماية منه.
وقد شجّعت "ليلى" الصغار والشباب على الاختراع من خلال رئاستها نادي المخترع الصغير "أندية العلوم الآن" لأكثر من ثلاثة عشر عامًا. ونفذت الكثير من اختراعاتهم.
وهي ما زالت تنادي بضرورة الاهتمام بالصغار واكتشاف موهبتهم في الاختراع منذ الصغر، وتُعَدّ تجربتها مع ابنتها "إنجي" دليلاً على ذلك، فقد سجلت وهي طفلة (13) اختراعًا وحصلت على ثلاث ميداليات ذهبية.