نظارة جدتي
مرت ثلاث ساعات عليَ متتالية دون أن أحس بها أو أشعر بمرور الوقت وضياع الزمن و أنا أنظر الى العالم من حولي وقد استحال الى حديقة حيوانات كبيرة!!!! نعم حديقة حيوانات كبيرة ... ! ذلك بفضل هذه النظارة العجيبة التي حصلت عليها وأنا أبحث في حاجيات جدتي - رحمها الله – القديمة, وهي نظارة تبدو إعتيادية من الوهلة الأولي إلا إنها سميكة بعض الشي و غريبة إن أمعنت فيها نظرك, وتبدو و كأنك لا تستطيع أن تري من خلالها شيئاً والأغرب من هذا والأعجب أنك لا تري الناس بها أُناساً ... ! بل تراهم حيوانات يدبون علي قدمين وتلك متطامنة تمشي علي اربع .....!!!!.
حدث هذا لأول مرة عندما خرجت الي الشارع بعد أن نظفت النظارة ولبستها فإذا بأول شخص يقابلني في الطريق يحمل رأس حمار وجسم إنسان ! دهشت و أصابني الهلع والذهول وخلعت النظارة لأتأكد مما أري .. فإذا بالرجل صاحب الرأس الحماري هو جارنا الذي يسكن في البيت المقابل لبيتنا وكنت كثيراً ما أصفه بما يصفه به كثير من الناس بأنه بليد وأنه حمار....... فعلمت أن هذه النظارة العجيبة تظهر لي الناس علي غالب صفاتهم الحيوانية... فالغبي أراه برأس حمار والشجاع برأس النمر وهكذا .... فرأيت شخصاً ثعلباً وارنباً وآخر ديكاً ورأيت أمرأة ترتدي الثوب السوداني ذات رقبة طويلة ركب في آخرها رأساً لزرافة ظريفة نامصة الحاجبين ومفلجة الأسنان ... والغريب أنني رأت روؤساً لحيوانات قد أنقرضت منذ أزمان بعيدة كالديناصور مثلاً و العجيب أنني نادراً ما كنت أري روؤس الحيوانات الموجودة بيننا كالحمام والغزلان والحملان.
صرت بعد ذلك أتعرف على الناس علي حقيقتهم من خلال هذه النظارة, وأحياناً العكس أتعرف على صفات بعض الحيوانات التي لا أعرفها عن طريق تعاملي مع الشخص صاحب الرأس الحيواني المعين فأعرف منه صفات الحيوانات فعلمت مثلاً أن النعامة سيئة السمعة وتميل كثيراً الي التبرج وأن الحوت أناني والتيس منافق ولم يخطر ببالي قط أن الضب يحب السلطة ويتطلع الى الحكم وليس الأسد بهذا القدر من الشجاعة التي يظنها الناس ولكنه طيب القلب و ( إبن بلد( ....!!!
خرجت ذات صباح لأمارس هوايتي المعتادة ولبست النظارة وجلست علي حافة الطريق فإذا بأول شخص يمر بي يحمل رأساً آدمياً !! حزنت لذلك وظننت أن النظارة قد فقدت مفعولها السحري فجلست مطأطأ الرأس حزيناً , فسلم علي أحد المارة فرفعت رأسي لكي أرد عليه فإذا به غورللا.... فعلمت حين العلم لا يجدي الفتى أن ذلك الرجل صاحب الرأس الآدمي كان إنساناً حقاً بحثت عنه بعد ذلك كثيراً فلم أجده ولم أجد رأساً كرأسه ثانية........
خطر لي في هذا الوقت وأنا أبحث عن الرأس الآدمي خاطر عجيب إهتز لي كياني وارتجف له قلبي .....!!! تري كيف أبدو إن نظرت الى نفسي من خلال هذه النظارة ؟؟؟ فقمت من مكاني متثاقل الخطى وجلاً خائفاً ... أيعقل هذا؟؟ هل يمكن أن أكون جباناً الى درجة أنني أخشى من مواجهة نفسي بحقيقتها؟؟ أم أنه خوف طبيعي ينتاب كل إنسان لحظة مواجهة الحقائق؟؟!!.
على كلً دخلت الدار بكل هواجسي تلك ووقفت أمام المرآة.... و أخرجت النظارة ونظفتها ثانية كأنما استجديها في أن تظهرني في رأس حيوان شجاع كالنمر أو الأسد أو على الأقل مسالماً كالحمام...
ولبست النظارة ونظرت الي المرآة و كانت المفاجأة.... أن أجدني بلا رأس.... وسقط مغشياً عليَ وسقطت النظارة وتكسرت أشلاءاً.... فعلمت بعد ذلك سبب وفاة جدتي رحمها الله .........
الفاتح شعبان -