كنعانيون
ينقسم الكنعانيّون حسب التصنيف اللغوي إلى عدّة فروع أشهرها * الفينيقيّون: سكنوا على سواحل البحر الأبيض المتوسّط الشّرقي "الشّاطئ السوري واللبناني". * الأموريون: سكنوا في سوريا الدّاخليّة كما امتدوا إلى جبال لبنان وجبال فلسطين. * المؤابيون:سكنوا شرقي البحر الميت * العبرانيون:سكنوا جنوبي ووسط فلسطين. * العمونيون:سكنوا شرقي نهر الأردن
مدن فينيقيّة
تقع المدن الفينيقيّة على الشّاطئ الشّرقي للبحر المتوسّط وأهمّها: * جبيل "قديمًا جبال وبيبلوس وذلك في العهدين اليوناني والرّوماني، من أهم المدن الفينيقية وأقدم مدينة مأهولة في العالم ومصدر الأبجدية الفينيقية ". * صور التي تعتبر من أقدم المدن الفينيقيّة، "يعود تأسيسها إلى الألف الثّالث ق.م"، وغدت منذ أواخر الألف الثّاني ق.م من أكثر المدن الفينيقيّة صيتًا وشهرة. * بيروت "بيريت"- الدّامور- صيدا التي كانت أكبر المدن الفينيقيّة. * أوغاريت : "رأس شمرا حاليًّا، تقع شمال مدينة اللاذقية وتعتبر من أهمّ المدن الفينيقيّة نظرًا لموقعها الجغرافي. * أرواد: وهي الجزيرة الوحيدة المأهولة على الشاطئ الشرقي للمتوسط في سوريا. * طرابلس "تريبولي". وقد عرفت بهذا الاسم اليوناني الأصل لأنّها كانت تتألّف من 3 مدن صغيرة أو 3 أحياء خاصّة بالصّوريّين والأرواديّين والصّيدونيين. * طرطوس من المدن الفنيقية الهامة ولها مينائها الفنيقي المعروف منذ القدم. * صيدا أو صيدون وتعبر من المدن المهمة أيضا. * جبلة ميناء مملكة سيانو٬
هناك عدّة مدن أخرى بنوها في لبنان وسوريا وفلسطين، كما لكلّ مدينة مرفآن شمالاً وجنوبًا وذلك لتسهيل الاتصالات بين المدن.
أقامت المدن الكنعانيّة-الفينيقيّة علاقات تجاريّة وثقافيّة مع مصر وبلاد الرافدين، وهذه العلاقات كانت تقوم على أساس المودّة. وبين تابعٍ ومتبوع، فكانت هذه المدن تؤمّن للبلاد المقيمة معها علاقات أخشاب الأرز التي تستخدم في البناء وصناعة السّفن.
الحضارة الفينيقيّة
مصادر الحضارة الفينيقيّة
إنّ معظم معلوماتنا في التاريخ الفينيقي هي المصادر الخارجيّة: * الكتابات المصريّة والبابليّة والآشورية، لاسيّما الرّسائل التي تبادلها فراعنة مصر وأمراء سوريا والمدن الكنعانيّة. * المصادر اليونانيّة "قصائد الشّاعر هوميروس في الملحمتين الإلياذة والادوسية، وكتابات المؤرّخين اليونانيّين أمثال هيرودت. * المصادر الرّومانيّة "يوستينوس". * كتاب التناخ الذي ورد فيه اسم كنعان بكثير من السلبية وأسماء مدن فينيقيّة هامّة.
إضافة إلى هذه المصادر الخارجيّة: الكتابات الفينيقيّة الّتي نقشت على النّواويس والأنصاب والاكتشافات الأثريّة الحديثة لمدينتي أوغاريت وجبيل، كذلك الحفريّات في صور وصيدا والبقاع.
التّنظيم السّياسي
لم يمل الفينيقيّون إلى إقامة دولة قويّة على غرار البابليّين والآشوريّين والمصريّين إنّما كانوا مقسّمين إلى عدّة دويلات-مدن، وكان التّنافس سائدًا بينها، وتعود أسباب عدم إيجاد الوحدة السّياسيّة بينها إلى ما يلي: التّنافس التّجاري فيما بينهم وصعوبة المواصلات "جبال-غابات-أودية-مسالك وعرة". وبالرّغم من عدم توصّل المدن الفينيقيّة إلى إيجاد الوحدة السّياسيّة، فقد كان التّحالف أحيانًا يتمّ بين بعضها تحت زعامة إحدى المدن الكبرى بدافع الخوف من أخطار خارجيّة كانت تهدّدها.
نظام الحكم
كان نظام الحكم عند الفينيقيّين ديمقراطيًّا فكان لكلّ مدينة حكومة خاصّة بها يترأسها حاكم أو ملك يحكمها بالوراثة، سلطته مقيّدة، يساعده في إدارة الحكم مجلسان هما: مجلس تمثيلي "هيئة من المشرّعين" مجلس الأشراف "الأغنياء" إضافة إلى ذلك الكهنة الذين كان لهم دورٌ كبير في إدارة دفّة الحكم. وقد شكّلت مدن صور وجبيل وأرواد اتّحادًا اقتصاديًّا مركزه طرابلس التي كانت تعقد فيها المؤتمرات العامّة للتّداول في الشّؤون الاقتصاديّة والمشاكل المشتركة والعمل على ضبط الاستقرار الدّاخلي كي تؤمن مصالح كلًّ منها، وكلّما كانوا يناقشون الأمور السّياسيّة.
الدّيانة
قامت الدّيانة الفينيقيّة على عبادة قوى الطّبيعة كالشّمس والقمر والأرض والسّماء والبحر والمطر والبرق والرّعد والعواصف، وجعل الفينيقيّون لكلٍّ من الحرب والزّراعة والملاحة والصّيد إلهًا ودعي بالبعل، إضافة إلى أنّهم ألّهوا ملوكهم وأبطالهم، واعتقدوا بالتّثليث الإلهي "أب وأم وابن". إيل عناة بعل (عشتروت وادونيس) وفي مرحلة متقدمة كان الإله ايل في كل شيء حتى أصبح الفينقيين يعتبرون أول شعب آمن بالإله التوحيدي إيل.
أشهر آلهتهم
إيل سيّد الآلهة- بعل وهو رب الخصب والنماء "الرّب" حيث كان لكلّ مدينةٍ بعلها وبعلتها مثال بعلبك "بعل-بك"، بعلشميه "بعل-شميه" بعل بيروت وأدونيس إله الشّمس والحياة مركز عبادته الرئيسي في جبيل وعشيقته عشتار إلهة الحبّ والخصب والجمال وكانت عبادتهما منتشرة في جميع المدن الفينيقيّة وأشمون إله الصحّة (صيدا) وملكارت (صور) ملك المدينة. ورشف إله البرق والرّعد والنّور، وداغون إله الزّرع والنّبات وموت إله الموت.
الهياكل
أقام الفينيقيّون المعابد تمجيدا لآلهتهم، وكان أشهرها معبدي أدونيس عشتار في مغارة أفقا "منبع نهر إبراهيم في جبيل" وكان الهيكل يتالّف من 3 أقسام هي: * القسم الدّاخلي موضع الإله وعبادته, * القسم الخارجي وهو المعبر إلى الدّاخل. * السّاحة العامّة، وكانت مساكن الكهنة والموظّفين إلى جانبها.
تقديم الأضاحي
كان الفينيقيّون يقدّمون إلى الآلهة الضّحايا البشريّة في الأوقات العصيبة، وكان تستبدل بالحيوانات في بعض الأحيان، التي كانت دماؤها تصبّ على الأنصاب ولحومها تحرق على المذابح، اعتقادًا منهم أنّ دخانها يشبع الآلهة ويرضيها، وكانت الصّلوات والدّعوات والرّقص والتّرانيم تقام على يد الكهنة.
مواسم الاحتفالات
كان لدى الفينيقيّين موسمان رئيسان هما: * موسم الفرح والبهجة والسّرور الذي كان يقام في فصل الرّبيع رمزًا لولادة الإله أدونيس من جديد. * موسم الحزن والكآبة الذي يقام في الخريف رمزًا لموت الإله، ويعود ذلك إلى قصّة أدونيس الذي صرعه حيوانٌ بريٌّ متوحّش في غابات وادي نهر إبراهيم الذي أصبح مقدّسًا لدى الفينيقيّين، وأخذت تتوسّل للإله موت "ملك العالم السّفلي" لإحيائه من جديد، فكان ما أرادت.
ما بعد الموت
لم يعتقد الفينيقيّون بالحياة الثّانية، إنّما كانوا يعتقدون أنّ الرّوح لا تفنى بعد الممات، إنّما تستقرّ في حالة سكونٍ وهدوء، قريبةً من الجسد "أي من صاحبها". كان الفينيقيّون يدفنون ملوكهم والنّبلاء في نواويس حجريّة، بينما كانوا يدفنون العامّة في توابيت خشبيّة، وقد وضعت هذه النّواويس والتّوابيت في أماكن آمنة لا تنالها أيدي اللصوص، حيث كان يوضع مع الميّت ما يحتاج إليه من مؤن وأواني خزفيّة وحلى. وكان اسم الميّت ينقش على قبره، وكان ذوو الفقيد وأقاربه يزورونه من حينٍ إلى آخر، ويضعون على قبره الورود والطّعام والشّراب ظنًّا منهم بأنّ روحه تسرّ بذلك.
علوم الفينيقيّين وفنونهم وآدابهم
طرق الكتابة قبل اكتشاف الأبجديّة الفينيقيّة: قبل اكتشاف الأبجديّة الفينيقيّة في القرن الرّابع عشر ق.م، كان العالم القديم يعتمد في الكتابة طرقًا مختلفة، فقد ظهرت الكتابة لأوّل مرّة في كلٍّ من مصر وبلاد ما بين النّهرين في أوائل الألف الثّالث ق.م. وجاءت هذه الكتابات تصويريّة "هيروغليفيّة" في مصر ومسماريّة في بلاد ما بين النّهرين، ثمّ تطوّرت كلٌّ من الكتابتين إلى مقاطع صوتيّة ثمّ إلى الصّوت حيث وضع له شكلٌ أو حرفٌ حتّى بلغ عدد هذه الأحرف الأبجديّة 24 حرفًا في أوائل الألف الثّاني ق.م.
الأبجديّة الفينيقيّة
تعتبر الأبجديّة الفينيقيّة أهمّ المنجزات الحضاريّة وأعظم ما قدّمه الفينيقيّون من خدمات إلى العالم وأشهر الابجديات أبجدية أوغاريت وهي اكمل الابجديات. فقد عرف الفينيقيّون بتلك الكتابة المقطعيّة الصّوتيّة. وكان لا بدّ للفينيقيّن من تطويرها ومن استنباط كتابة جديدة تتّفق ومتطلّباتهم الحياتيّة والاجتماعيّة وخالية من التّعقيد والالتباس، وأكثر فهمًا ووضوحًا للجميع، وقد وضعوا لها القواعد إلى أن أخرجوها كتابة أبجديّة، مؤلّفة من اثنتين وعشرين حرفًا فاستعملوها ونشروها في العالم. وكانت قد ظهرت عدّة كتابات فينيقيّة أشهرها أبجديّة أوغاريت التي كتبت بأشكال مسماريّة "القرن الرّابع عشر ق.م" واشتهرت مع المدينة الّتي وصلت بشهرتها مناطق واسعة من شرق المتوسط ودمّرت على يد الغزاة الآنيين الذين أتوا من اليونان وقد شكلت أبجدية أوغاريت أحد أهم واكمل الابجديات على الإطلاق، والأبجديّة السّينائيّة "كشفت نصوصها في سيناء" التي تمثّل إحدى المحاولات التي قام بها الكنعانيّون للانتقال من الكتابة التّصويريّة-المقطعيّة إلى الأبجديّة، وأبجديّة جبيل التي تتألّف من 22 حرفًا كانت تكتب بالقلم والحبر على ورق البردي، من اليمين إلى اليسار، وكان الأصل الذي اشتقّت منه جميع الأبجديّات السّاميّة الأخرى والأبجديّة اليونانيّة، ومنها اشتقّت الأبجديّات الحديثة.
علوم
كان للأبجديّة والاكتشافات الفينيقيّة، والرّحلات الجغرافيّة، والصّناعات والمستعمرات التي أنشأها الفينيقيّون في مختلف أنحاء البحر الأبيض المتوسّط الأثر الهام في تاريخ الشّعوب القديمة عامّةً، فقد اشتهر الفينيقيّون خاصّة "الصّوريّون" و"الأوغاريتيون" بالعلوم لا سيّما في علم الفلك والحساب الضّروريّين في الملاحة والتّجارة، وكان القرطاجيّون أوّل من أصدر أوراق النّقد على جلود الحيوانات واستنبطوا خطوط الطّول ودوائر العرض ووضعوها على خرائطهم لتحديد مواقع مستعمراتهم ومحطّاتهم التّجاريّة. واكتشفوا النّجم القطبي الشّمالي لتحديد الجهات. كما ساهموا في تطوّر علم الجغرافيا نتيجة رحلاتهم الاستكشافية حول أفريقيا وعبورهم مضيق جبل طارق، والبحار والمحيطات والتي أكسبتهم معرفة بأحوال القارّة الأفريقيّة من حيث المناخ، والنّبات والسّكّان وأنماط معيشتهم وعاداتهم وتقاليدهم. وحسب المؤرخون أنّ الفينيقيّين وصلوا بسفنهم إلى السّواحل البريطانيّة، وربّما إلى القارّة الأميركيّة قبل أن يكتشفها كريستوفر كولومبوس لوحة باراإبا تثبت ذلك والتي وجدت في البرازيل (نقش پارايبا (Paraíba) أو(Parahyba)).
فنون
جاء الفنّ الفينيقي في الألف الثّالث ق.م مقلّدًا لعدّة فنون خارجيّة، كالقبرصيّة والمسينيّة والإيجيّة والمصريّة، والرّافديّة، إلى أن أصبح في الألف الأوّل ق.م محرّرًا من الاقتباس والتّقليد، متّخذًا طابعًا خاصًّا به، فقد تجلّى فنّ الإتقان والخلق والإبداع عند الفينيقيّين في: الصّباغ الأرجواني الذي استخرج من الصّدف واستخدم في صناعة الأقمشة المطرّزة الّتي نالت شهرة عظيمة في العالم القديم. والخزف الذي تفنّنوا في صناعته، فقد شملت الكؤوس التي جاءت بشكل تماثيل راقصات، وقوارير الطّيب بشكل تماثيل صغيرة والأبارق والزّهريّات التي زيّنت بالألوان والنّقوش الجميلة، وصناعة النّقود والأختام التي بدت فيهما الدّقّة والإتقان، وأدوات الزّينة التي شملت "الحلى المطعّمة بالعاج والذّهب والفضّة والحجارة الكريمة" والرّسم والنّقش على الخزف والخشب والمعادن، والنّحت الذي تمثّل في "تيجان الأعمدة والمسلات واللوحات الجميلة التي جاءت آية من الدّقّة والجمال". أمّا في البناء فقد تجلّت براعتهم في هندسة القصور والهياكل والسّفن التّجاريّة والحربيّة فضلاً عن اهتمام الفينيقيّين بالغناء والموسيقى وتطويرها في الطّقوس الدّينيّة، وكان العود إحدى آلاتهم الموسيقيّة التي استعملها شعوبٌ كثيرة.
آداب
كان لاكتشافات مدينة أوغاريت "رأس شمرا حاليًّا" في سوريا سنة 1929- الأدبيّة- الدّينيّة أثرٌ هام في معرفة التّراث الأدبي الفينيقي، فالملاحم الأدبيّة- الدّينيّة "ملحمة بعل" كارت "أقهات بن دانيال" التي كتبت في القرن الرّابع عشر بالأبجديّة الأوغاريتيّة تعتبر انعكاسًا للنّشاط الأدبي في هذه المدينة، إضافة إلى ذلك العديد من الألواح الحجريّة التي خطّطت بالمسماريّة والتي وُجدت في أوغاريت، وتضمّنت علومًا وآدابًا وفنونًا وأديانًا لمختلف أنواع حضارات الشّعوب القديمة تعود إلى الإنتاج الفكري الفينيقي، وهذا دليلٌ على عكس ما قاله المؤرّخون القدماء "اليونان- الرّومان- المصريّون- البابليّون- الآشوريون" في كتاباتهم بأنّ الفينيقيّين شعب تجاريٌّ فقط. * للأسف الشديد ان اكثرية الكتابات الفينيقية كانت على ورق البردى وطبعاً لم يبقى منها شيء.
الاقتصاد
الزّراعة
لم يهمل الفينيقيّون أيًا من مواردهم الاقتصاديّة، فقد أنبتوا في أرضهم كلّ ما كان بإمكانها أن تعطيهم. ونوّعوا من الصّناعات حتّى لا يشتروا من الخارج. لكنّهم اهتمّوا بالتّجارة لأنّها المورد الأساسي.
معطيات الطّبيعة
لم يكفِ سكّان فينيقيا ما كانت تُنتجه أرضهم من غلال. لا لأنّهم أهملوا الزّراعة، بل لآنّ مساحات البلاد ضيّقة. ففينيقيا ساحل مستطيل، تتعاقب على شواطئه السّهول الرّسوبيّة والرّؤوس الصّخريّة. وتغطّي الغابات جباله فلا تترك للزّراعة إلاّ قدرًا ضئيلاً من السّفوح المطلّة على المتوسّط. وتتوزّع المزروعات في منطقتين: سهليّة تغلب فيها الخضار والحبوب والنّخيل، وجبليّة تغلب فيها الكرمة والزّيتون. ولم يوفّر الفينيقيّون أيّ مساحة، من أيّ سعةٍ كانت، دون زراعة. لذا جدّوا في تمهيد الجلول منعًا لانجراف الأتربة مع الأمطار والسّيول.
طرق الإنتاج
واعتمدوا في الحراثة على سكّة خشبيّة مجوّفة، تتّسع للبذار. تجرّها الثّيران أو الحمير أو الإنسان إذا لزم الأمر. وحصدوا السّنابل بمنجل بدائيّة مربوطة إلى حجر. ودرسوا الحنطة على البيادر تحت النّورج. وذرّوها على طبقٍ أو بالمذراة. وجمعوها في أكوارٍ لفصل الشّتاء.
الإنتاج
واشتهرت خمور فينيقيا في الخارج. وقرطاجة بنت صور باعت خمورها اللّذيذة من روما. واستبدل الفينيقيّون أغراس الزّيتون البرّي أغراسًا جديدة من الخارج. فاستعاضوا بإنتاجهم عن الاستيراد. وافتنّوا في زراعة الرّمّان، ونقلوها إلى قرطاجة. وذاع صيت بعض الكتب الزّراعيّة في قرطاجة فنقلت إلى اللاّتينيّة.
الغابات
وكانت سببًا في إثارة أطماع جيران فينيقيا بها. وقد غطّت كلّ الجبل حتّى بدت معينًا لا يشحّ. فأسرف الفينيقيّون في قطعها. ومصر كانت أوّل من اتّجر مع جبيل من أجل أخشابها، حتّى إذا تضاءلت إمكانات تصدير الأخشاب من جبيل أفل نجمها. ولمّا دانت فينيقيا لسلطة الآشوريّين والكلدانيّين والفرس، باهى هؤلاء ببناء قصورهم من خشب الأرز في لبنان. وكثيرًا ما فرضت الضّريبة على فينيقيا خشباً.
الصّناعة
الصّباغ الأرجواني
احتكرت صناعته صور وصيدون. وهو كناية عن صدف طبيعي، منشأه صدف "الموريكس". تكاثر على شواطئ فينيقيا. فجمعوا منه كميّات ضخمة حتّى غدا نادرًا اليوم. والصّدف بعد انتزاعه عن الشّاطئ، يَنْضح منه سائلٌ أصفر تُلوّن به الأنسجة. حتّى إذا جفّ النّسيج المصبوغ استحال لونه بنفسجيًّا. وازداد رونقًا كلّما تعرّض للنّور. وافتنّ الفينيقيّون في جعله قاتمًا أو زاهيًا. ويتّضح من ذلك أنّ الصّباغ لم يكن أرجوانيًّا بل بنفسجيًّا إنّما الدّعاية صوّرته أحمر قرمزيًّا. وقد تشهد مصانع الأرجوان بالقرب من مدينتي صيدون وصور. وتشهد على ذلك تلول صدف الموريكس الباقية حتّى الآن جنوبي صيدا. ولمّا كانت الرّائحة المنبعثة منه كريهة، اهتمّ الفينيقيّون بإقامة المصانع خارج نطاق المدينة. وطوّروا صناعته حتّى قضوا على المضاربة الإيجيّة، بعد أن كانت متفوّقة في أواخر الألف الثّاني قبل الميلاد.
المصنوعات المعدنيّة
من بين المواد الأوّليّة المعدنيّة نذكر القصدير والنّحاس والحديد والذّهب. والقصدير استقدموه في البدء من آسيا، من بلاد عيلام، ومن آسيا الصّغرى. ولمّا برعوا في الملاحة أتوا به من "أتْرَوْرِيَا" في إيطاليا اليوم، ومن أسبانيا، وانتهى بهم المطاف إلى جنوبي إنكلترا (بلاد الكورنواي). والنّحاس استوردوه من جبال أمانوس، والحديد استخرجوه محليًّا. وكفاهم من هذه المعادن كميّات ضئيلة نظرًا للاستعمال المحدود، لتأمين حاجاتهم من السّلاح والأواني والتّماثيل والكؤوس والنّقود، الّتي تحمل سكّتها رسم مركب فينيقي، أمّا الذّهب فقد خصّوا به الحليّ وما شابهها من الكماليّات.
الزّجاج والعاج
لم يبتكر الفينيقيّون طريقة صناعة الزّجاج، بل أخذوه عن المصريّين. ولكنّهم جعلوه شفّافًا، ونوّعوا من أصنافه. فصنعوا منه الكؤوس والقناني وقوارير الطّيب. وافتنّت كلٌّ من صور وصيدون في تلوينه. فأخرجتا منه الأبيض والأصفر والأحمر والأزرق. وجعلتا من صناعته فنًّا حتّى وصل الاعتداد لديهم إلى توقيع أسمائهم على منتجاتهم الزّجاجيّة (من أمثال جَاسُون وأرْتَاس) وقد غدت الأقراط والأساور والخواتم والعقود مرصّعة بأحجار زجاجيّة، شديدة الشّبه بالحجارة الكريمة. والكؤوس الزّجاجيّة الفينيقيّة كان غالبًا جوائز للفائزين في المباريات الرّياضيّة والجسمانيّة لدى الإغريق. والإلياذة غنيّة بالشّواهد على ذلك. أمّا العاج، وهو مادّة غريبة عن فينيقيا، فقد استُقدِم من الهند عن طريق ما بين النّهرين، أو من أفريقيا عن طريق مصر. صنع منه الفينيقيّون صناديق صغيرة، وتماثيل وزخرفوها. ووجدت أعداد ضخمة من مصنوعات العاج في النّواويس والمقابر، لأنّها كانت تودع مع الميّت. ومعظمها موجودٌ اليوم في المتحف البريطاني.
صناعة الخزف
برع الفينيقيّون في صناعة الخزف. وصنعوا منه كميّات ضخمة من الآنية والتّماثيل الصّغيرة. ولمّا كان اهتمامهم بالنّاحية التّجاريّة قبل كلّ شيء، لم يسهروا على إخراج تحفٍ فنّيّة، بل على إخراج آنيةٍ رخيصة، وتماثيل مرغوبة في الأسواق. وتطوّرت صناعته حتّى جبلوا منه النّواويس. وأكثر الآنية الخزفيّة وجدت في المقابر، إذ حوت العطور أو لوازم معينة تُدْفن مع الميّت. وبعض الآنية الّتي وجدت في "كفر جرَّه" (بالقرب من صيدا) تدلّ على أنّهم توصّلوا إلى جعل الخزف رقيقًا متماسكًا لا بل رنّانًا وفي ذلك الكمال.
صناعة السّفن
إنّ العامل الأساسيّ لازدهار صناعة السّفن، هو توفّر المادّة الأوّليّة، ألا وهي الخشب. واعتماد الفينيقيّين على البحر في تنقّلاتهم وتجارتهم اضطرّهم إلى تطوير هذه الصّناعة، فانتهوا إلى المراكب الكبيرة. وهذه تنقسم إلى فئتين: مراكب تجاريّة ومراكب حربيّة. والمركب التّجاري طويل، يجلس في كلِّ جانبٍ منه صفٌّ أو اثنان من المقذّفين حسب حجم السّفينة. مقدّمته مرتفعة تنتهي برأس حيوان. وفي وسطه سارٍ يحمل شراعًا. أمّا المركب الحربي فمقدّمته حادّة معدّة للصّدام. وتحمل المراكب في مؤخّرتها عارضتين طويلتين تقومان مقام الدّفّة. وذاع صيت الأساطيل الفينيقيّة. حتّى غدت فينيقيا قوّة بحريّة تطمع بها جميع الإمبراطوريّات المجاورة في مصر وما بين النّهرين وفارس. وعن مراكب قرطاجة نقلت روما نماذج مراكبها فيما بعد.
ميزة الصّناعة الفينيقيّة
إذا استثنينا صناعة السّفن، نجد أنّ مُجمل المصنوعات الفينيقيّة تمتّ بصلةٍ وثيقةٍ إلى الكماليّات. شأن الزّجاج، والصّباغ الأرجواني، والخزف والعاج. احتكروا بعضها (كالأرجوان) وضخّموا أسعاره. وحين قصّروا حيال براعة غيرهم في المصنوعات، عمدوا إلى إخراج نماذج تجاريّة غير متقنة ولكنّها سهلة التّصريف كالمصنوعات الخزفيّة مثلاً. ومعظم النّماذج المعتمدة لديهم كانت صغيرة الحجم، سهلة الحمل، لا خوف من عطبها في المراكب. وهذا ما يفسّر توزّع المنتجات الفينيقيّة في كلّ أنحاء المتوسّط، أو في البلاد الدّاخليّة التي اتّجرت معهم. وما اعتماد هذه الصّناعات وإتقانها إلاّ في سبيل تحاشي شرائها من الخارج، لئلا يحدّ شراؤها من أرباحهم. فلم يكن الفينيقيّون صلة وصلٍ فقط، بل غدوا المنتجين لهذه المصنوعات الكماليّة. والطّبيعة بدورها لم تكن لتهيئ فينيقيا لأيّ دورٍ صناعيّ، وبالرّغم من ذلك استطاع الفينيقيّون أن يأتوا الكثير من المنتجات الصّناعيّة. وحتّى في تقليد صناعات غيرهم، أضفوا على إنتاجهم مسحة من الإتقان البارع، ممّا يدلّ عليه صفاء زجاجهم وتلوينه واستعماله مكان الحجارة الكريمة. وصناعة السّفن كانت المدى الأرحب لإبراز براعة الفينيقيّين الصّناعيّة، إذ تضافرت لإتقانها جميع العوامل البشريّة والطّبيعيّة؛ من خشب وخبرة ملاحيّة ومعلومات جغرافيّة وفلكيّة وملاءمة السّاحل للصّيد والسّفر.
الملاحة
نشطت الملاحة في فينيقيا نتيجة اعتباراتٍ عدّة منها: صعوبة التّنقّل البرّي، ووفرة الخشب، وملاءمة الموقع الجغرافي بالنّسبة للعالم القديم. وعزّز الفينيقيّون ملاحتهم بنشاطات خاصّة، كتطوير صناعة السّفن، وحسن اختيار مواقع المرافئ، وتسخير المعارف الجغرافيّة والفلكيّة، وأخيرًا إنشاء المستعمرات لتكون أداة اتّصال.
ظروف الملاحة
جهل الفينيقيّون استعمال البوصلة. ولكنّهم اهتدوا إلى الشّمال بواسطة النّجم القطبي، وقد سمّاه الإغريق باسمهم أي "النّجم الفينيقي". وشرعوا في التّنقّل على طول الشّاطئ، لا يغامرون في عرض البحر، وتجنّبوا المغامرة في اللّيل حتّى لا يضيعوا. وجعلوا مدنهم محطّات تجاريّة، بين الواحدة والأخرى مسيرة نهار. واستفادوا من الجزر المنتشرة في بحر إيجه، ورادوا جميع مناطق الأرخبيل الإغريقي. أمّا الوصول إلى مصر في الجنوب فقد تمّ على مراحل. لازموا الشّاطئ حتّى وصلوا إلى الدّلتا. وهكذا دواليك حتّى انتهى بهم إلى خارج المتوسّط.
الرّحلات
وزاد الكسب التّجاري من طموح الفينيقيّين. فنظّموا رحلات استكشافيّة. وكان إحداها لحساب الفرعون "نِخَأوْ". ويخبرنا هيرودوتس بأنّ هذا الفرعون قد طلب من الفينيقيّين، حوالي عام 1600 ق.م، أن يقوموا برحلة غطّى نفقاتها، انطلقت من شواطئ البحر الأحمر. واستمرّت 3 سنوات ودارت حول "ليبيا" والمقصود أفريقيا. وعادت عن طريق البحر المتوسّط إلى مصر. وعندما وصلت مراكب الرّحلة العشرة غربيّ الشّاطئ الأفريقي، تمكّنت العاصفة من إحداها ففصلته عن سائر المراكب. وحملته التيّارات المائيّة والرّياح التّجاريّة حتّى شرق البازيل (أنظر نقش بارايبا). أمّا الرّحلة الثّانية فقد قام بها أحد مواطني قرطاجة، واسمه "حَنُّون" بتكليفٍ من مجلس الشّيوخ. والغاية من هذه الرّحلة التّفتيش عن أسواقٍ جديدة. وقد سار "حنّون" في عكس اتّجاه رحلة "نخاو". وثمّة رحلة ثالثة قام بها مواطن آخر من قرطاجة هو "حَمْلَكُن". فعبر مضيق جبل طارق. واستمرّ في سيره أربعة أشهر وصل في نهايتها إلى جنوبي إنكلترا. وقد تمّت الرّحلتان القرطاجيّتان ما بين 450 و350 ق.م.
المستعمرات
في أواخر الألف الثّاني قبل الميلاد، زالت سيطرة الإيجيّين على البحر المتوسّط. فتنفّس الفينيقيّون الصّعداء. وتوزّعت سفنهم ومن ثمّ مستعمراتهم في جميع أنحاء المتوسّط. وتشاء الأساطير أن تنسب إلى صور أمر إنشاء كلّ المستعمرات الفينيقيّة. إنّما الواقع غير هذا.
في الحوض الشّرقي
في الحوض الشّرقي من المتوسّط، أحاط الفينيقيّون قبرص بعقدٍ من المخازن. وتصدّوا للمنافسة الإغريقيّة التي اشتدّت خلال القرنين الرّابع والثّالث ق.م والطّمع بقبرص عائد لغناها بالنّحاس والحجارة الكريمة، ثمّ لوفرة حبوبها وخمورها وزيتونها، ولموقعها الوسط بين عالمين. أمّا في آسيا الصّغرى فقد اهتمّوا بمناطق كيليكيه و"طرطوس" خاصّة. ومن هنالك وصلوا إلى "رودس" المواجهة للشّاطئ. إذّاك ازداد الخطر المحدق بهم، إذ قرّبهم من مناطق النّفوذ الإغريقيّة. وبالرّغم من ذلك استقرّوا في "كريت" وجزر "السّيكلاد". ولكنّهم لم يتعدّوا "الدّردنيل" في إنشاء المستعمرات خشية الابتعاد عن البلد الأم، وإن تكن قوافلهم قد وصلت إلى شواطئ البحر الأسود و"أرمينيا". وفي الجنوب لم يكن يسيرًا إنشاء المستعمرات على حساب مناطق النّفوذ المصريّة. بل اكتفوا بإقامة المخازن في "ممفيس"، حيث تمتّعوا بحريّة التّجارة. وأنشئوا حيًّا خاصًّا بالصّوريّين منذ القرن الثّاني عشر قبل الميلاد، وأقاموا فيه معبدًا لعشتروت.
في الحوض الغربي
ولمّا اشتدّت منافسة الإغريقيّين، فضّل الصّوريّون ترك المجال مفتوحًا أمام صيدون. فنقلوا مناطق نفوذهم التّجاري إلى الحوض الغربي من المتوسّط. فاستقرّوا في "صقلية"، و"يوتيقا" (المدينة العتيقة) في تونس اليوم، و"مالطة"، مُراعين في اختيارهم لمستعمراتهم البحريّة المركز التّجاري والموقع الطّبيعي إنشاء المرافئ. ومن هناك انطلق الفينيقيّون إلى جنوبي "سردينيا"، والجزر المجاورة لها "كالباليار". ومن ثمّ خطّوا نحو "ترشيش" (إسبانيا) حيث حوّلوا إحدى محطّاتهم التّجاريّة إلى مستعمرة. ولكنّ الفينيقيّين حين ابتعدوا عن أرض كنعان، لم تعد نقطة ارتكازهم صور، بل قرطاجة أكبر المستعمرات الفينيقيّة على الإطلاق.
قرطاجة
لم تكن قرطاجة أوّل مستعمرة أُنشئت في شمال أفريقيا، بل سبقتها مستعمرة "يوتيقا" (سنة 1000 ق.م) على نهر المجرّدة، و"زارتيس" (بيزرتا).وسُمّيت قرطاجة (المدينة الحديثة) تمييزًا لها عن جارتها "يوتيقا" (المدينة العتيقة). وقد شيّدت حوالي 814 ق.م. لتكون صلة الوصل بين صور والمستعمرات الفينيقيّة. وقد اختار لها الصّوريّون موقعًا استراتيجيًّا بين الحوضين الشّرقي والغربي للمتوسّط. تتّصل برًّا بالقارّة الأفريقية، وبحرًا بمختلف المحطّات والمخازن والمستعمرات الفينيقيّة في الغرب. ولم يخطر لصور يومًا بأنّ هذه المستعمرة التي بَنَتْ، ستنافسها فيما بعد. وبرزت عظمة قرطاجة يوم أخضع الآشوريّون فينيقيا. ولمّا هدم نبوخذ نصّر الكلداني صور البرّيّة، لم يعد لدى الفينيقيّين مدينة تفوق قرطاجة بعظمتها. فتبنّت هذه المستعمرة العملاقة سياسة صور وصيدون وكانت استمرارًا لهما. وسعت للتّوسّع في الحوض الغربي للمتوسّط حتّى اصطدمت بالإغريق. فنشبت حربٌ بينهما سنة 550 ق.م واستطاعت قرطاجة أن تكسب الرّومان إلى جانبها. ولمّا تنكّر لها الرّومان فيما بعد وتأصّل العداء قضي على قرطاجة إثر حربين عرفتا باسم الحربين البونيتين.
الطّرق التّجاريّة البرية
لم يسع الفينيقيّون أن يتاجهلوا التجارة مع بلاد "أَمُرّو"، وبلاد ما بين النّهرين، وما ورائهما من دول وشعوب. فتشعّبت طرق القوافل في كلّ الاتّجاهات حتّى شملت بلدانًا تتّصل بفينيقيا بحرًا كمصر وآسيا الصّغرى. وأهمّ طرقاتهم البريّة هي:
الطّرق السّاحليّة
أحدها نحو الجنوب، مرورًا بكلّ المدن الفينيقيّة وساحل المتوسط. وينقسم الطّريق إلى شعبتين: أولاهما نحو خليج العقبة وشبه الجزيرة العربيّة، حيث اشتهرت على الخليج الفارسي مدنٌ سمّيت بالمدن الفينيقيّة. والثّانية تذهب نحو مصر والسّودان والحبشة. أمّا الطّريق السّاحلي نحو الشّمال، فيعبر فينيقيا نحو كيليكيا. وكانت عاصمة الحثيّين "حَتّوسَه" (بوغاز كوي اليوم) نقطة التقاء بين "الطّريق الملكي" الفارسي نحو "ساردس" عاصمة "ليديا" غربي آسيا الصّغرى، وبين الطّريق الشّمالي نحو أرمينيا والبحر الأسود.
الطّرق الدّاخليّة
ونعني بها طريقين رئيسيّين، أوّلهما يتفرّع عن الطّريق السّاحلي الشّمالي (شمال سورية). فيذهب من أوغاريت نحو حماه، وحلب، و"الرُّها"، و"كركميش"، و"نِصّيبّين"، فيتّصل بوادي الفرات حتّى ما بين النّهرين والجزيرة السورية، أو يذهب من "حَرَّان" إلى "نينوى". والطّريق الثّاني يعبر جبال لبنان إلى الزّبداني إلى "دمشق" ثم "تدمر" فبلاد ما بين النّهرين. وهذا هو الطّريق الأقصر، لكنّه الأصعب. وكلتا الجزيرة العربيّة وبلاد ما بين النّهرين كانت الصّلة ما بين فينيقيا والهند.
وفي طرقهم البريّة هذه، كان الفينيقيّون يقيمون علاقات الودِّ مع شعوب البلدان والمناطق التي يهبرونها. فيمكّنون أواصر التّفاهم مع القبائل، ويستعينون ببعضها كسماسرة أو مرشدين. وهذا ما يسمح لهم بأن يقيموا المحطّات التجاريّة أو يُقيموا الأحياء الخاصّة بهم. كما تأمن قوافلها شرّ اللصوص المهاجمين في مناطق نائية منعزلة.
السّلع التّجاريّة
لا غروَ في أن تستمرّ رحلة التّجّار الفينيقيّين بضع سنواتٍ أحيانًا. فهم متجوّلون، يعرضون على الشّعوب مصنوعاتهم ومصنوعات غيرهم. وبلادٌ كفينيقيا لا يمكنها أن تعطي الكثير، فيما عدا الأخشاب والزّيوت والخمور. لذلك اتّكلوا على إنتاج غيرهم يشترونه ثمّ يبيعونه. فاستوردوا الصّوف والجلود واللّحوم من سوريا، والعسل والحبوب من فلسطين، والافاويه والتّوابل من الشّرق الأقصى، والنّحاس من قبرص واليونان والقفقاص، والذّهب من إسبانيا، والحجارة الكريمة من مصر وسيناء، والعطور من بلاد الرّافدين، والأبنوس والعاج من السّودان، والكتّان والقطن من مصر، والخيول من أرمينيا.